شكل استهداف السفارة الاميركية في بغداد بعدد من الصواريخ، فجر 8 كانون الأول - ديسمبر 2023، تطوراً في عمليات فصائل المقاومة الإسلامية ضد القوات الاميركية في العراق وسوريا، رداً على دعم واشنطن المفتوح للعدوان الإسرائيلي على غزة.
فقد وضعت هذه العملية حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في مواجهة (فعلية او صورية) مع فصائل المقاومة، خصوصاً بعدما أدان السوداني الهجوم «الارهابي» الذي يأتي في سياق رد محور المقاومة على العدوان الإسرائيلي على غزة.
ومنذ 17 تشرين الأول – أكتوبر الماضي، بدأت اربعة من فصائل المقاومة الإسلامية هجمات بالصواريخ والمسيّرات على القواعد الاميركية في العراق وسوريا.
بيان حكومي
بيان الادانة الذي أصدره رئيس الوزراء العراقي، ووصف «مرتكبي هذه الاعتداءات» بأنهم «خارجون على القانون يسيئون إلى العراق واستقراره وأمنه»، جاء بعد رسائل من مسؤولين أميركيين، من بينهم وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات وليام بيرنز، حذرت بغداد من «عواقب وخيمة» (وفق بيرنز) إذا لم تتخذ إجراءات لوقف الهجمات، فيما أعلن بلينكن أن بلاده «ستردّ على أي أعمال عدائية تستهدف أفراداً أميركيين أو القوات المسلحة الأميركية».
وأعلن المتحدّث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في بيان في 14 كانون الأول - ديسمبر، اعتقال «متورطين في الهجوم على السفارة الأميركية»، دون تحديد هوياتهم أو انتماءاتهم.
مصدر أمني استخباري رفيع المستوى، رفض الإفصاح عن اسمه، قال لـ The Cardle إن «عدد الموقوفين بلغ 13، لم يدلوا في التحقيقات الأولية بأي معلومات عن الجهة التي ينتمون اليها». واضاف أن الأجهزة الأمنية اعتقلت مجموعة أخرى في مدينة سنجار (145 كم شمال غرب الموصل) كانت تنوي تنفيذ هجوم صاروخي على قاعدة أميركية في مدينة الحسكة السورية. غير أنه لم يصدر أي بيان رسمي يؤكد هذه المعلومات.
ومنذ عام 2021، ينتشر نحو 2500 جندي في العراق تحت اسم «التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش». وتقول الحكومة العراقية إن هؤلاء يمارسون مهام استشارية. غير أن هذه القوات نفّذت بالفعل ثلاث مهام قتالية في مناطق أبو غريب (25 كم غرب بغداد) وجرف النصر (60 كم جنوب غرب بغداد) وكركوك (240 كم شمال شرق بغداد)، ضد ثكنات قوات الحشد الشعبي العراقية.
الورقة الأميركية
وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أن واشنطن تهديدات وُجهت إلى رئيس الوزراء العراقي بفرض عقوبات دولية على العراق والتدخل العسكري المباشر في حال لم تتمكن حكومته من وقف الهجمات على القواعد الاميركية. ولفتت إلى ضغوطات تمارسها واشنطن عبر تقنين منح الدولارات للبنك المركزي العراقي، ما قد يتسبب في أزمة اقتصادية حادة، كما لوّح الأميركيون بسحب الشركات النفطية من العراق.
المحلل السياسي، عماد الأطرش، قال لـ The Cardle إن «الولايات المتحدة تتعامل مع العراق كحديقتها الخلفية التي تجز عشبها متى تشاء، وهي تمسك بخيوط الاقتصاد لابتزاز الحكومة وإرغامها على اتخاذ قرارات في السياسة الخارجية تتسق والمواقف الأميركية، لذلك ينبغي أن تكون للعراق حكومة قوية قادرة على كبح جماح واشنطن».
اسفين الفرقة
التهديدات والضغوطات الأميركية على بغداد قسمت الشارع السياسي العراقي بين فريق مرتبط بأحزاب سياسية داخل "الاطار التنسيقي"، أكبر كتلة شيعية انبثقت منها حكومة السوداني بالتنسيق مع كتل سياسية مرتبطة بفصائل المقاومة، وآخر من أحزاب ترفض أي مواجهة، ولو دبلوماسية، مع واشنطن.
لم تتمكن The Cardle من الحصول على تعليق رسمي على اعتقال منفذي الهجوم على السفارة، وما إذا كانت الحكومة ستدخل في مواجهة مع الفصائل المسلحة. واكتفى المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، بالتعليق بأن «للتحالف الدولي في العراق، ومن ضمنه القوات الاميركية، مهام تدريبية واستشارية، وأي نشاط مسلح يستهدف هذه القوات يمكن ان نعتبره عملاً خارجاً عن القانون».
في المقابل، شدّد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية وعد القدو، في حديث لـ The Cardle، على أن «فصائل المقاومة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من بنية العراق السياسية والأمنية، ولولاها لما تحرر العراق من تنظيم داعش الإرهابي»، مشيراً إلى أن «هجمات الفصائل على القوات الاميركية لا أسباب داخلية لها كما يروّج البعض، بل تأتي رداً على الدعم الأميركي لإسرائيل في عدوانها على غزة». وأكد أنه «لا يمكن للحكومة التعرض لفصائل المقاومة او الدخول في مواجهة مفتوحة معها، لما لذلك من انعكاسات على الاستقرار الأمني والوضع الاقتصادي في البلاد».
ويوافق الدكتور احسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي ومستشار الحكومة سابقاً، بأن الحكومة غير قادرة على منع الفصائل من مساندة غزة. وقال لـ The Cardle إن حكومة السوداني «غير قادرة على المواجهة المباشرة مع فصائل المقاومة الإسلامية المنبثقة من كتلة سياسية تضم عدداً من الفصائل المسلحة. والسوداني يدرك بانه إذا ما قرر المواجهة سيخسر بيئته السياسية في الاطار التنسيقي، لذلك فإنه يتجه إلى الحوار مع الفصائل مع استخدام أوراق الضغط السياسية الداخلية».
من جهته، وصف «تحالف الفتح» بقيادة هادي العامري الهجمات على القوات الاميركية بـ «الطبيعية، رداً على دعم واشنطن لإسرائيل».
وقال القيادي في التحالف، علي حسين، لـ The Cardle إن «هجمات فصائل المقاومة الإسلامية لا يمكن ان تتوقف، وهي لا تأتي في اطار دعم غزة فحسب، وإنما من ضمن خطة لإفشال المخطط الإسرائيلي الرامي إلى تقسيم المنطقة والسيطرة عليها وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى». وأكد أن كل المؤشرات تشير إلى «تصاعد هجمات فصائل المقاومة واستمرارها حتى توقف العدوان الإسرائيلي على غزة».
وأكدت مصادر خاصة رفض فصائل المقاومة الإسلامية الوساطات الحكومية لإقناعها بوقف الهجمات. وكشف مصدر مطلع، رفض الإفصاح عن اسمه، لـ The Cardle أن «حكومة السوداني، في الأيام الأولى للحرب على غزة، وسّطت عدداً من الشخصيات للتواصل مع فصائل المقاومة، وتمكنت من تحييد بعضها، مثل «العصائب» و«كتائب الامام علي» واقناعها باستخدام الطرق الدبلوماسية للرد على الدعم الأميركي لإسرائيل. في المقابل، رفضت فصائل أخرى (كـ«أنصار الله الأوفياء»، «حركة النجباء»، «كتائب سيد الشهداء»، و«كتائب حزب الله») هذه الوساطات.
وأعلن أبو حسين الحميداوي الأمين العام لـ «كتائب حزب الله في العراق»، وهي أحد فصائل المقاومة المشاركة في قصف القواعد الاميركية، ان «الكتائب ماضية في نهجها ضد الاحتلال، غير آبهة بالضغوطات والعقبات، متحملة ضريبة عملها المقاوم، ثابتة على طريق كسر شوكة الاحتلال، وطرده من العراق».
ورداً على سؤال لـ The Cardle، أكد مكتب قائد «كتائب سيد الشهداء»، أبو آلاء الولائي، أنه «أحداً لا يمكنه أن يزايد على حرصنا على العراق واحترام القانون. نحترم كل الوساطات ونقدر حرصها على التواصل مع فصائل المقاومة وقياداتها، ونؤمن بحراك بعض الشخصيات السياسية، لكن نرفض أي حديث عن وقف العمليات قبل توقف العدوان على غزة».
القيادي في «ائتلاف النصر»، عقيل الرديني، قال لـ The Cardle إن «لحكومة السوداني موقفاً ثابتاً من قضية غزة أعلنته في الأمم المتحدة، وهي تحاول استغلال علاقتها مع واشنطن لدفعها إلى حلحلة ازمة غزة وتخفيف معاناة الفلسطينيين من جهة، ورفع الحرج عنها أمام فصائل المقاومة من جهة أخرى». وأضاف أن على واشنطن «تفهم غضب الشارع العراقي الذي يتم التعبير عنه بالتظاهرات والطرق السلمية مرة وبالسلاح مرة أخرى».
الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف، كشف لـ The Cardle، عن «مفاوضات معمقة تخوضها الحكومة مع بعض فصائل المقاومة، في محاولة لإقناعها بوقف هجماتها على القواعد العسكرية الاميركية في العراق، في ظل ضغوط شديدة تمارسها واشنطن على السوداني».
واعتبر الشمري أن «لتصعيد الفصائل المسلحة هجماتها على القوات الاميركية أسباباً عدة، أولها العداء المتراكم لدى الفصائل تجاه الولايات المتحدة، وثانيها الانضواء في إطار شعار وحدة الساحات لمساندة غزة، وثالثها الضغط لخروج القوات الاميركية من العراق».
وتشير وقائع الأيام القليلة الماضية إلى فشل الأميركيين في وقف الهجمات رغم كل الضغوطات على حكومة السوداني. إذ واصلت الفصائل تنفيذ هجمات في العراق وسوريا، وكشفت مصادر في البنتاغون عن تعرض القواعد الأميركية إلى 102 هجوم مسلح على الأقل منذ منتصف تشرين الأول - أكتوبر الماضي.
تعليقات